كيف وصلت إلى هذا المنصب؟
جريدة الرياض | كيف وصلت إلى هذا المنصب؟
د. فايز بن عبدالله الشهري
حينما تقرأ مذكرات بعض المسؤولين العرب خاصة اولئك الذين تقلّبوا طويلا في حلل المنصب والجاه، أو حينما تستمع لبعض رجال الأعمال الكبار وهم يروون جانبا من حكايات كفاحهم ومثابرتهم للوصول الى ما هم فيه تجد معظم هؤلاء يوردون الكثير من قصص النبوغ والعبقرية وحسن تقدير المواقف مرددين بفخر وغرور (مباشر وغير مباشر) ما يوحي بأن لديهم الكثير من المواهب التي ميّزتهم عن بقية أقرانهم. وعلى هذا المنوال تجد بين بعض أصحاب المناصب الحكومية من يتحدّث عن قيمة مبادراته وأفكاره النيّرة التي نقلت العمل البريوقراطي الى مستويات اعلى وكيف لفتت هذه الألمعية والموهبة الكبار في إدارته فتنقل من منصب الى منصب حتى وصل اليوم الى قمّة مؤسسته بعرقه وكفاحه وبالطبع على كفاءته.
يأتيك صاحب مال ظهر فجأة في عالم الأعمال من غياهب المجهول ليحكي عن قصة الصعود وكيف بدأ بسيطا متواضعا في حاله ورأس ماله ثم يشرح لك مراحل كفاحه ومثابرته حتى حقق المليون الأول ثم المليار الأول بصبر وتعب مستعرضا قصص مفاوضاته ونجاحاته مع الصينيين والألمان والكوريين وكيف تغلّب عليهم بمهاراته وذكائه. وآخر تجده عضوا في مجالس عدد من الشركات المساهمة ثم يتحدث في مجلسه متبرما عن كسل الشباب وكيف أنه مارس كل الأعمال في صغره. وهو بطبيعة الحال لم يتطرّق لظروف وخصائص عائلية وضعته في الوقت المناسب ضمن دائرة منتفعين من فوضى سوق الاسهم فتحالف معهم مستفيدا من قربه من مصادر المعلومات فقفزت ارصدته بالتحايل والاضرار بالآخرين دون ان يرف لضميره جفن.
وحتى لا نبخس الناجحين حقهم فلا بد من الاقرار بأن قصص الكفاح والنجاح موجودة بطبيعة الحال، والناجحون العصاميون بيننا كثر بحمد الله ويعرفهم الناس من خلال سيرتهم وسمعتهم التي اكتسبوها بلا خبراء علاقات عامة ودون الحاجة الى شراء اغلفة مجلات رخيصة تخصصت في عرض مهارات بعض الانتهازيين في عالم الأعمال. ومع كل هذا فإننا ونحن نعيش الواقع المجتمعي والاداري في مضارب بني عرب وهو واقع نعرفه جيدا ونعاني ونعاين معظم تعقيداته نوقن أن كثيرين من هؤلاء (الناجحين) لا يذكرون لنا بصدق عن معظم اسرار البدايات وكيفية "هندسة" الترقي في العمل الرسمي أو تحالفات الصعود في الأعمال التجارية وهم بطبية الحال لا يشيرون الى دهاليز القفزات الكبرى التي تخطوا فيها الأقران والشركاء.
والمشكلة في عالم اليوم أن كثيرين من هؤلاء كانوا مستورين يستمتعون (بالهياط) والنجاح الافتراضي في المجالس والندوات الخاصة قبل أن تغريهم لعبة الاعلام والرغبة في المجد والشهرة فقدّموا انفسهم قرابين للإعلام الجديد بكل ما فيه من فوضى وحرية. وهكذا وجدنا على شبكة الانترنت كيف تطوّعت مجموعات نشطة لتقصّى نجاحات اصحاب الصور الاعلامية المدفوعة وتوثيق الوقائع بمساعدة منتسبي شبكات التواصل الاجتماعي فكشفت وراء البراقع اللامعة لبعض الناجحين المفترضين عن وجوه من الجشع والوصولية المقيتة التي تسبّبت في إزاحة الكثير من الكفاءات وجعلت من التزلف والعصبية والنفعية سلالم للترقي والصعود.
** مسارات:
قال ومضى: تأمل الموظف (الكبير) قوائم الأسماء في جواله فلم يجد من بينهم صديقاً