![]() |
رحلة الإنسان من التقليد إلى التأثير!
«يبدأ الإنسان مقلّدًا لمن سبقه، لا لأنّه ضعيف، بل لأنّ التقليد هو أوّل بوّابات الإدراك.. يتعلّم من محيطه، ينقل ما يراه، يُحاكي الأصوات والحركات والأفكار؛ لكنه لا يُعيدها كما هي، فحتى حين ينسخ، تكون شخصيّته كأنّها مرآة متعرّجة، تعكس الشيء بأطرافٍ مختلفة، بزاويةٍ جديدة.
لا أحد يُشبه الآخر تمامًا، حتى لو أراد ذلك؛ فالإنسان مزيج معقّد من سماته، وخبراته، ومزاجه، وطِباعه ولهذا، فإنّ كل تقليدٍ يحمل انحرافًا بسيطًا عن الأصل.. وهذا الانحراف، هو بصمة الشخص، وهويّته، وروحه. ومن هنا، يصبح التقليد بدايةَ رحلة، لا نهايتها. يبدأ المرء مقلّدًا، ثم ناقدًا، ثم مختارًا، ثم صانعًا؛ فالمبدعون الكبار لم يولدوا منفصلين عن غيرهم، بل تشرّبوا ممّن حولهم، ثم تجاوزوه. ولأنّ الإنسان يتأثّر ويُؤثّر، فإنه يبحث غالبًا عن بيئة تُشعل طموحه وتُلهمه.. يميل إلى من يعلّمه، من يوسّع أفقه، من يرى فيه ما لم يره من قبل. ولو تأمّل بعمق، سيتجلّى له أن القيمة لا تقتصر على من هم “أعلى”، بل أحيانًا يأتي الدرس من أبسط الناس، في أبسط اللحظات… حين يمرّ تصرّفٌ ما، أو كلمة، تضيء زاويةً من الداخل لم تكن مضيئةً من قبل. والمرء يتشكّل بتراكمات صغيرة: رأي عابر من معلّم، عبارة في كتاب، نقاش مع رفيق، صوت أمٍّ وهي تدعو… كلّها مواقف عابرة، لكنها في الحقيقة بذور. لا يُلتفت إليها عند الزرع، لكنها تخرج يومًا ما على هيئة نبتة تُعلن عن نفسها دون أن تطلب الانتباه، تنمو، رويدًا، فتصبح شجرةً شامخةً ذات أثرٍ جديد، تترك من حولها يلتقطون منها، كما التقطت هي من غيرها.. كما قال تعالى: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْـئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ** ** رحلة الإنسان من التقليد إلى التأثير! - لينة عبدالعزيز الجبالي : https://www.al-jazirah.com/2025/20250926/cm6.htm |
الساعة الآن 37 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.5.2 TranZ By
Almuhajir
ملتقى النخبة 2005