ملتقى النخبة

ملتقى النخبة (http://www.m-alnokhbah.com/vb/)
-   القصص والروايات (http://www.m-alnokhbah.com/vb/f100/)
-   -   ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛. (http://www.m-alnokhbah.com/vb/t2620/)

هادي 09 / 02 / 2006 54 : 09 PM

؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
عندما توقفت قدماي عند نهاية الشارع..
كانت إضاءة المحلات التجارية خافتة..ربما لانعدام الكهرباء..أو ربما لطول غياب الأحبة...
المارة...متباعدين الخطى
والصمت يلف الأجواء....
ولم يكن شاهد الموقف..
سوى قطرات المطر التي تتزاحم سباقاً على كتفي المبلل
كنت قد خرجت للتو من منزلي...
مثقلاً بهموم النتيجة النهائية لآخر أيام دراستي الجامعية..

أدرت بناظري في جميع الاتجاهات..فجاءه لاح لي سواد عباءة على الجانب الآخر من الشارع...
كنت أتساءل مالذي أتى بها في هذا المكان...!!؟
وفي هذه الساعة الماطرة...!!؟
ربما لديها مشكلة ما...!!
اتجهت إليها تسبق خطواتي المبللة..أسئلة حملتها معي..وقع الكثير منها عند ملامسة قدمي لحافة الرصيف القابعة عليه...
اقتربت منها...وجدت امرأة في خريف عقدها الرابع..
ممسكة بمظلة صغيرة..
اتخذت منها قطرات المطر الساقطة بشدة طريقاً آمناً لرأس طفلتها الصغيرة المرتمية إلى أحضانها الرثة...
كانت تسعل سعالاً لاأظنه يمهلها طويلاً..وبقدر ماكانت تخفيه..كان الألم يمزق صدرها..وينقص من عمرها..
لم تلق لوجودي أية اهتمام...
دار في تفكيري الكثير من التساؤلات...!!
ماذنب هذه السيدة حتى تتواجد في هذه الساعة..وهذا المكان..
وهذا الجو الماطر..!!؟
ماذنبها حتى تتكبد عناء انتظار صدقات المحسنين..التي قد لاتتجاوز في نهاية اليوم حفنة ريالات...!!؟
ماذنبها حتى تقاسي نظرات المارة والمرتزقة ومن يتربص بها دوائر السوء...!!؟
ماالذي اقترفته حتى تقضي ماتبقى من عمرها على قارعة الطريق...!!؟
..عندها استفاقت طفلتها لتقول لها بنبرات يغلبها اليأس من الإجابة..وطول الانتظار..
أمي متى سنعود..؟؟أريد أن أنام تعبت..تعبت..لاأريد طعاماًً أريد أن أنام..أريد أن أنام..
رأيتها وكأني بها قد سأمت من بلل المطر الذي عاث فساداًً بشعرها الأشقر القصير...
لماذا قدر لهذه الصغيرة أن تعيش حياة البؤس والعوز..!!؟
لماذا قدر لها مواجهة المحن وهي لازلت غضة العود...!!؟
لقد رضعت الفقر من ثدي الليالي القاسية..دونما ذنب اقترفته
يداها الرقيقتان..!!؟
ولربما امتد بها العناء سنين طويلة..دون الوصول لنهاية سعيدة طالما روادها حلم تحقيقها...
وجه بريء رسمت ملامح الشقاء عليه خطوط لن تنمحي بسهولة..
فجروح معاناة الصغر تكون غائرة في أعماق الذاكرة..
تسرق بوادر الفرح القادمة..وتلقي بظلال البؤس على مشاعر السعادة...
لم يكن معي سوى ريالات قليلة كنت ادخرتها لشراء بعض الصحف والقليل من الأغراض الشخصية...
وضعتها دون أنظر إلى وجه الطفلة التي ظلت ترمقني بنظرات بائسة...
وقفت بعيداً انتظر ماسيحدث..
ابتعدت وكانت دعواتها بسعة الرزق والحياة الطيبة لازالت تعانق مسامعي..
رجلان يمران بجانبها وصوت ضحكاتهما يجلجل يتوقف أحداهما ويضع ماتيسر معه من نقود ويواصلان سيرهما..
وهذه امرأة تقف عندها طويلاً وكأنها تشير عليها بالذهاب..
لكنها لاتستجيب.. فيبدو أنها لم تجمع مايكفي حتى الآن لشراء عشاء يكفي لسد رمق أبناءها...
وبعد برهة من الزمن..
نهضت وأخذت تلملم حاجيتها..وسارت باتجاه أحد المطاعم القريبة..وأعطت ابنتها حصيلة مامعها من نقود...
كانت خطواتها مثقلة بالكثير من الأحزان والحسرة والقهر...
لم تكن الطفلة تدرك ماتقاسيه أمها لذلك خرجت سعيدة بغنيمة هذا اليوم من طعام ومحتفلة بعودتها للمنزل..
فقد توقفت أمانيها عند هذا الحد...ورضيت بأقل من القليل...
عندها أدركت لعنة الفقر إذا حلت..كيف تقضي على الأمل
في قلوب الأطفال..كيف يعيشون دون هدف سوى الحصول على لقمة ليومهم...
كيف تزرع في نفوسهم الحرمان من أدنى حقوق الطفولة والبراءة...
كيف تقوض أحلامهم..عندما يرون فعلتها في منهم أكبر سناً..
أتسأل كم مضى لهذه الأربعينية من سنوات غارقة في بؤسها..؟
كم مضى لها تجفف دمعها بخرقة بالية نسجت خيوطها على وجناتها....؟
لكن ماتأكدت منه هو أنها لاتريد لهذه الصغيرة حمل رايتها من بعدها..
فيكفي عذاباتها هي ويكفي ماقاسته من سنين...
فهي لاتريد أن تعيش هذا الشقاء من جديد مع ابنتها...
راقبتها تمشي..مثقلة الخطى...
كأن خناجر الشقاء اجتمعت كلها واستقرت في خاصرتها..
تمني نفسها بإشراقة يوم جديد..
عله يزيح قليلاً من الأحزان...
كانت غارقة في التفكير مما جعلها لاتلتفت لصيحات ابنتها
خلفها..بوجود سيارات عابرة...رغم ارتفاع صوت أبواقها...
إلا أنها لم تلتفت...
سقطت مغشياً عليها قبل أن تمسها أي سيارة..
سارع أحد المحسنين فحملها ووضعها جانبا على الرصيف
تجمهر حولها الناس بما فيهم أنا..
كانت تهذي بكلام غير مفهوم..
لم نسمع منه سوى...
أبعدوني عن هذا الرصيف..لاأريد أن أموت على ذات الرصيف..
ارتمت ابنتها في أحضانها...لكن بعد فوات الآوان...
صرخت طويلاً وكأنها على علم بماحدث..
..وكأني بها تتحسر ألماً لماذا أنا من قدر له حضور هذا المشهد من بين إخوتي....
هل لأني أشقاهم حظاً..وأكثرهم تأثراً بها..!!؟
أم هذه خارطة لعذاب جديد..وفاتها بين يدي أول محطاتها...!!؟
كانت دموعها سحابة أخرى تمطر على خديها الناعمتين..
...الجميع يلفهم الوجوم وتغشاهم السكينة,فهي عاشت لسنين طويلة بينهم الكل يعرفها,لكنهم لم يلتفوا حولها إلا اليوم..
زمان قاسي...حتى آخر أمنية في حياتها رغم بساطتها
لم يجد بتحقيقها...وهي التي جادت بالكثير.....
ماتت وأحييت معها جبالاً من الأسى والحرمان والحزن العميق...لمن تبقى بعدها من أطفال..
ولازلت سحابة أحزان ذلك اليوم تنهمر...

ديــــــــــنو 09 / 02 / 2006 50 : 10 PM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
عندها أدركت لعنة الفقر إذا حلت..كيف تقضي على الأمل
في قلوب الأطفال..كيف يعيشون دون هدف سوى الحصول على لقمة ليومهم...
كيف تزرع في نفوسهم الحرمان من أدنى حقوق الطفولة والبراءة...
كيف تقوض أحلامهم..عندما يرون فعلتها في منهم أكبر سناً..


كلام جميل وحكم رائعه تخرج من قلم مبدع بكل ما تعنيه الكلمه

أيمن الردادي 10 / 02 / 2006 34 : 04 AM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
لي عودة هنا

هادي 10 / 02 / 2006 37 : 03 PM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
أخي ديــــــــــنو

أشكرك على مرورك الطيب
وماهذه إلا بداية متواضعة أرجو أن تنال استحسان الإخوة الأعضاء







أخي أيمن

نحن بانتظار عدوتك

اليتيم 10 / 02 / 2006 50 : 05 PM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
http://www.ibrigate.com/vb/images/smilies/1/cry.gif http://www.ibrigate.com/vb/images/smilies/1/cry.gif

روعه روعه

شكرا على الموضــــــــــــــــــــــوع الرائع

http://www.ibrigate.com/vb/images/smilies/1/bye2.gif http://www.ibrigate.com/vb/images/smilies/1/bye2.gif http://www.ibrigate.com/vb/images/smilies/1/bye2.gif

الوردي 11 / 02 / 2006 12 : 10 AM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
عندما يحل الفقر في مكان يستوطن المرض والجهل وتموت الانسانيه وينسى الناس ويحدث مالايخطر على البال

أيمن الردادي 12 / 02 / 2006 50 : 02 PM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
أشكرك أخي هادي على الموضوع الهادف الذي يتغاضى عنة أناس كثير وكأنة موضوع لايهمهم

تكلمت عن الفقر وذكرتني بأنسان قابلتة قبل سنة في بانكوك هو ليس انسان بل بقايا انسان يزحف على يدية (شلل سفلي) وفي فمة طاسة (زبدية)حديد فيها القليل من النقود الحديدية وقد راقبتة لمدة عشر دقائق زحف فيها مايقارب خمسة متر فقط ولك اخي ان تتخيل شكلة بملابس مقطعة زاحفاً علي القاذورات نسي شكل السماء وحفظ شكل الارض يبتعد عنة الناس وكاْنة شيء مخيف وتذكرت وقتها ماقال عمر رضي اللة عنة
لوكان الفقر رجلا لقتلتة
صدقني أنني لانسى شكل ذلك الرجل ماحييت
وبعدها حمدت ربي اني مسلم على هذة الارض الطاهرة التي كفلت حقوق المعوقين والايتام...ألخ وحمدت ربي على الصحة والعافية التي متعني اللة بها فتعضوا ياأولي الالباب

واتمنى كل الناس مثلك يحسون بالاخرين وبالنعم من حولهم
أكرر شكري .واعذرني على الاطالة

هادي 12 / 02 / 2006 29 : 05 PM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
اليتيم

أشكرك على مرورك وتواصلك






أخي لاتحزن

أصادق على كل كلمة خطتها أناملك والشواهد من حولنا كثير

أشكرك على مرورك الطيب








أخي أيمن

الدنيا حافلة بالمشاهد المأساوية وبعضها يترك له صدى لايُنسى...

لكن البعض للأسف يتوقف عندها قليلاً وسرعان ماينسى بمجرد إنغماسه في ملذات الدنيا العابرة....

ومن أراد أن يعرف مقدار النعم التي عليه فلينظر لمنهو أسفل منه...

حتماً عندها سيعرف ماله وماعليه...

أخي أيمن القصص والروايات وجدت لهدف إنساني نبيل هو معالجة مشاكل المجتمع والتطرق لكل مايدور فيه بأسلوب أدبي بليغ

ولا يتوفر ذلك طبعاً إلا بوجود خيال خصب وروح شفافة تختزل المواقف وتصيغها في قالب فريد وجذاب للقارئ

أتمنى أن تكون هذه القصة حازت على رضاك وعلى رضاء الأخوة الأعضاء

ونحن بانتظار مشاركاتهم ليثروا بها مشاعرنا ويغدقوا علينا إبداعاتهم....

فنحن هنا نتعلم من بعضنا البعض ونفيد ونستفيد من الجميع دون إستثناء...


أشكرك على مرورك الطيب





تقبلوا فائق تحياتي

ميسون أبوبكر 12 / 03 / 2006 33 : 02 PM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
الرائع هادي

فعلا أتحفتنا بهذه القصة المعبرة
أسلوب شيق

أحاسيس تفيض بها السطور ، وقصة من واقع الحياة المؤلم
هكذا هي الحياة،،،

كل التحايا
ميسون أبوبكر

هادي 15 / 03 / 2006 40 : 03 AM

مشاركة: ؛.؛.قصة قصيرة...لعنة الفقــــــــــر؛.؛.
 
أستاذة ميسون..

قرأتك للقصة وتعليقك عليها يعطيني دفعة معنوية..

فهذه إشادة من كاتبة لها ثقلها في كتابة القصة القصيرة..

أفتخر بها كثيراُ..

تتعثر الحروف خجلاً في الشكر على مرورك الجميل..

تقبلي فائق احترامي..


الساعة الآن 46 : 04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir
ملتقى النخبة 2005