ملتقى النخبة

ملتقى النخبة (http://www.m-alnokhbah.com/vb/)
-   القصص والروايات (http://www.m-alnokhbah.com/vb/f100/)
-   -   الغروب قصة لفيصل الزوايدي ( تونس ) (http://www.m-alnokhbah.com/vb/t8235/)

فيصل الزوايدي 18 / 03 / 2010 10 : 01 PM

الغروب قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
الغـــروب ..


أَنا مَن هَدَّه الشوقُ إليَّ ، و أَخذه الـهمُّ بعيدًا بعيدًا عَني .. و أَلزمَني زمَني ما لا أُطيق ..

فلَيْتَ أَنسى .. وكيفَ أنسى وذا فحيحُ ذِكرى أَطلَقت سُـمومَها فـي دِمائي فَلا تجدي مَعَها الأمصالُ و إِنْ جَرَّبتُها ..و ذا هُم أَحِبَّةٌ صَدَقوا ولَكِن رَحَلوا ،

بِالـمَوتِ اعتذروا ، و ما تـجدي ، عِندَ الرحيلِ ، الـمعاذيرُ..أُفيقُ و تفيقُ مَعي الذكرى موجِعَة كالقهرِ أَو كَالـمَوتِ نَفسِهِ ، أَحسِرُ عَنـي لِـحافًا بَسيطًا كانَ ليُطرُدَ البردَ و الـخوفَ عنّي .. أسيرُ نَـحوَ الـمِرآةِ فلا أرى إلا وَجهَهُ بِفَيْضِ ابتِسامَتِهِ الغامِرَةِ و الشيبِ الذي جَلَّلَهُ وَقارًا .. كانت الشعراتُ البيضاءُ بَيارِقَ الرحيلِ يَومَ اِلتَمَعَت فـي رأسِهِ تُؤذِنُ بِوَداعٍ مَـحتومٍ .. أجابَنا لا أَدري جادًّا أَمْ عابِثًا يَوْمَ سَأَلْناهُ عَن ذَلِكَ اللونِ الـجديدِ : هِيَ الشمسُ لا تَـمَلُّ شُروقًا و غُروبًا .. كَم أَشرَقَت و كَم غَرُبَت .. أَنْتَزِعُني مِن أَمامِ الـمِرآةِ فَقَد وَمَضَ بَريقٌ فـي عَينيَّ .. أَسيرُ وَجِلا إلـى الـمغسَلِ فأَغسِلُ وَجهي عَجٍلا ، مُتَجَنِّبًا النظَرَ إلى الـمِرآةِ الـمُواجِهَةِ خِشيَةَ أَنْ أَجِدَهُ قبالتي لَكِن يَدي تَـجَمَّدَت على مِقبَضِ الـحَنَفِيَّةِ ، فَقَد كانَت يَدُهُ الـمَعروقَةُ هِيَ التي تُـحكِمُ إِغلاقَ الـمِقبَضَ بِـحِرصِهِ الشديدِ على الـماءِ ، أَقتَلِعُني بِعُنفٍ و أَتَـحَرَّكُ مُتَعَثِّرًا أو مُتَبَعثِرًا.. أُغادِرُ الـمَكانَ و أُسرِعُ إلى غُرفَتـي و لَكن يَبدو أَنَّني قَد تُـهتُ إِذْ وَجدتُني فِي غُرفَتِهِ هُوَ .. كانَت رائِحته الـمُمَيَّزَةُ ما تَزالُ عَطِرَةً في الـمَكانِ .. هذا مَضجَعُهُ و تِلكَ ثِيابُهُ وذاكَ مَكتَبُهُ .. ما زالَ دفتَرُهُ مَفتوحًا على الطاولةِ ،كما تركَهُ في تلك الليلةِ فَقَد كانَ يُسَجِّلُ كل يوم أحداثَ يَومِهِ.. ترددت في مسامعي شَكواه الدَّائمَةَ مِن الزمَنِ .. ما لـي مِنْ عَدُوٍّ غيره .. قالَ هذا لـي يومًا وقد كان يُرَدِّدُهُ دَوْمًا .. أَقرَأُ فـي الصفحةِ الـمفتوحةِ أَمامي :" إِنَّـما تقتُلُنا الـحَسرَةُ .. وما جَدوى أَنْ تُسجِّلَ هزيـمَتَكَ ؟" لا أَجرُؤُ على قولِ أي كلامٍ .. تَـمامًا مِثلَ ذلكَ اليومِ .. إِذَا يَهوي الأحبَّةُ إلى الترابِ فَما كَلامٌ يُسلّيني .. أُحاوِلُ الهربَ مِنَ الـحسرَةِ خِشيَةَ أَنْ يَـمضي الوقتُ ، لا أَبـحَثُ عَن ساعَةٍ و لا أحاولُ البَحثَ عَنها فانأ اعلم أنني لن أجد واحدة .. قَد كانَ يَكرَهُ الساعاتِ بُغضًا ، يَكرَهُ حَرَكَتها لا تَتَوَقَّفُ ولا تستَريحُ و لا تَعودُ مَرَّةً .. يَكرَهُ اِستِنـزافَها الـمريرَ لِلعُمرِ .. تَزيدُ لِيَنقُصَ ، هَكذا تَقولُ الأحجِيَةُ .. هل اِعتَقَدْتَ يَومًا أَنْ تَكونَ حَياتُكَ أُحجِيَةً ساذجَةً يَرويها الصبيانُ بِتَفَاخُرٍ ؟؟؟

أُحاوِلُ الفكاكَ مِن هذه الـمتاهةِ فَأُغادِرُ الـمكانَ نَـحوَ آخر .. إِذَا كانَ الزمانُ يَأْبـى الثبات فالأماكِنُ تَأبـى الـحَرَكَةَ .. أَسيرُ نَـحوَ غرفةِ نَومي مـرةً أخرى و أَنا أَتَوقَّعُ أَن أَجِدَها فـي مَكانِـها ، لا أَدري كَيفَ وَجدتُ نفسي في غُرفَةِ الـجلوسِ أُجيلُ البَصَرَ في أَشيائِها الـمُبَعثَرَةِ كأَحاسيسي ،الـمُشوَّشَةِ كَأََفكاري .. على صَدرِ الـحائطِ لَوحةٌ كبيرةٌ مَارَسَ الزمنُ نزواتِهِ العجيبةَ على إِطارِها الـمُذَهَّبِ فَأَحالَهُ باهِتًا .. كانتِ اللوحةُ صورةَ الفَقيدِ .. الـجاذبيةُ عنيفةٌ اِقتادَتْنـي إلـى تَأَمُّلِها بِشَغَفٍ كأنـي لا أَعرِفُ صاحبَها ..
أَقِفُ أمامَ صورَتِهِ و لَكِنّـي أَنظُرُ إليه بِإِشفاقٍ وَ حَسرَةٍ كَأَنـي أَعرِفُهُ .. أَتَأَمَّلُ عَيْنَيْهِ العَميقَتَيْنِ بِتِلكَ النظرَةِ الغائِمَةِ ... أَنظُر في الصورَةِ طَويلا و أَرحَلُ بَعيدًا بَعيدًا عَنّـي، إذ أَنسى العالـمَ مِن حَولـي و أَنسى كثيرًا مـما ظَنَنْتُ أَنـي لا أَنساه ..و لكننـي أعودُ بَغتَةً لأُفيقَ فَإذا بـالصورةِ لَـم تَكُن إلا صورَتـي أَنـا ..


فيصــــل الــــــزوايــــدي

نسمة الندى 18 / 03 / 2010 48 : 04 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
تسلم اخي على الكلمات المعبره

سفيــ الشوق ــر 18 / 03 / 2010 01 : 07 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
عزيزي ............ فيصل

تسلم الأيادي وماخطت

والفكر ومانثر

دمت بكل الخير ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

abo aziz 18 / 03 / 2010 01 : 11 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
سلام من الله عليك ...

رائع جدا هو الاسلوب الذي انطوت عليه هذه الدرة

فقد أسرنا معه من البداية وحتى النهاية...

كان لغزا... أجبرنا على التركيز...كانت أحجية دفعتنا ... للمتابعة...

أدركت في هذا النص ختاما..

معنى من معاني الحياة...

في انتظار أعمال أخرى...

دمت بكل خير ... وبكل سعادة...

أقف هنا...

زهرة المدائن 18 / 03 / 2010 12 : 11 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 

تسلم الايادي التي كتبت
والمشاعر التي نقلت
ابدعت اخي الفاضل
دمت بود

بحـ الاحزان ـر 19 / 03 / 2010 33 : 02 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
تسلم الايادي اخي الكريم

fatin 19 / 03 / 2010 26 : 06 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
قصة رائعة جدا

تسلم الايادي

فيصل الزوايدي 26 / 03 / 2010 33 : 06 PM

رد: الغروب قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
أسعدني مرورك و تفاعلك اخت نسمة الندى
دمت في الخير

فيصل الزوايدي 26 / 03 / 2010 35 : 06 PM

رد: الغروب قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
شكرا لاطلالتك و لدعمك العفوي اخي سفير الشوق
دمت في الخير

فيصل الزوايدي 26 / 03 / 2010 37 : 06 PM

رد: الغروب قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
أعتز برأيك و بتفاعلك أخي ابو عزيز و اعدك بالمزيد ان شاء الله
دمت في الخير

فيصل الزوايدي 26 / 03 / 2010 13 : 07 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة المدائن (المشاركة 70083)

تسلم الايادي التي كتبت
والمشاعر التي نقلت
ابدعت اخي الفاضل
دمت بود

أعتز باطلالتك و بتفاعلك كثيرا فشكرا لك

فيصل الزوايدي 26 / 03 / 2010 14 : 07 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بحـ الاحزان ـر (المشاركة 70098)
تسلم الايادي اخي الكريم


سرتني اطلالتك فشكرا لك
دمت في الخير

فيصل الزوايدي 26 / 03 / 2010 15 : 07 PM

رد: " الغروب " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fatin (المشاركة 70118)
قصة رائعة جدا

تسلم الايادي

يسعدني رأيك في القصة كثيرا فشكرا للثناء
دمت في الخير


الساعة الآن 30 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir
ملتقى النخبة 2005