عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 24 / 02 / 2006, 22 : 11 PM
عمرو عبده
vipvip
المنتدى : الثقافة الاسلامية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
01 / 06 / 2005 834 662 0.10 يوميا 244 10 عمرو عبده is on a distinguished road
عمرو عبده غير متصل

Lightbulb المفاجأة ... من فيوضات سورة العنكبوت

نتحدث في هذا البحث عن نموذج قرآني يدل على الطبيعة الخاصة للنص القرآني الكريم، وعلى ضرورة تحلي قارئ القرآن بالمعرفة الدقيقة بالكيفية التي ينساب النص الكريم من خلالها، لأجل أن يتوصل قارئ القرآن إلى الصورة الجمالية والفنية المتكاملة التي يطرحها، والتي غالبا ما تغيب عن أذهاننا في حمّى تعاملنا التجزيئي مع القرآن الكريم.

والآيات التي نحن بصددها هنا هي من سورة العنكبوت، وهي السورة التي تبهرنا، وتحيرنا، وتجبرنا على الوقوف أمامها مبهورين؛ وذلك لغرابة التوظيف القرآني لإحدى الحشرات الغامضة، ذلك التوظيف المثير الذي يحتاج إلى وقفة تفكر وتأمل. حيث يقول عز من قائل:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {13} وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {14} مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(العنكبوت).

والآن؛ دعونا نتوقف قليلاً أمام هذا السرّ الغريب، والطلسم الغامض فحيث لا يدري الناسُ ما السرُّ في تسمية سورةٍ بأكملها من سور القرآن الكريم باسم "العنكبوت" ينبغي أن نتوقف وأن نتفكر، وأن نتأمل!!

والقارئ المتأمل يظل متعجبا من الهدف الذي أُورد هذا المثال من أجله؛ أو ما الذي أريد به، أو الدلالة عليه!! ما عدا المعاني القريبة والشذرات العلمية التي تفيض من جوانب النص!!

وقبل أن نخوض في عمق التحليل للنص القرآني المشار إليه؛ فلابد أن نعرض لبعض الإشارات حول حشرة العنكبوت، وهي الإشارات التي قد تلقي قليلاً من الضوء على الهدف الذي تم من أجله إيرادها على الصورة التي وردت عليها!.

خيوط وعناكب!!!

من المعلوم أن العناكب تتبع فصيلة "العنكبوتيات"، وهي فئة من الحيوانات الناجحة والواسعة الانتشار، والتي تضم العناكب والعقارب وما شابهها. ومن أشهر "العنكبوتيات" العناكب، وكثير منها يعيش في منازلنا أو في جوارها، وأنسجتها المستديرة معروفة لنا جيدا.

ومن اللافت في موضوع العناكب أن الحشرات الأخرى لا تسلم من شرها ساعة من ليل أو نهار!، فهي دائمة الترصد لفرائسها في ورديات نهارية وليلية!، وتبدأ العناكب الليلية صيدها بعد انتهاء عمل العناكب النهارية، وقد ابتكرت العناكب طرقاً مختلفةً لاقتناص فرائسها، فبعضها ينقض على فريسته انقضاضاً مباشراً، إلا أن أشهر طرق الاقتناص لديها يتم عن طريق ما تنصبه من شباك تتخايل للفرائس وكأنها زينة تلمع أمامها، فإذا ما اقتربت منها وقعت فيها وكانت سببا في هلاكها!!

وتقوم العنكبوت بإنتاج الخيوط الحريرية من غدد خاصة بذلك وتوزعه مغازلها الصغيرة، وتُنتجُ الأنواع المختلفة من الغدد أنواعا خاصة بها من الحرير، وتنسج العناكب شباكها بدقة من خيوط حريرية وفقا لتصاميم خاصة لها أشكال مختلفة.

وقد بحث العلماء في تراكيب المادة التي يفرزها العنكبوت فوصلوا إلى ما يدهش العقول، فقد رأوا بعض العناكب تنسج خيوطا رقيقةً جداً، وقد وجد أن كل خيط من تلك الخيوط مؤلف في حقيقته من أربعة خيوط أدق منه، وكل واحد من تلك الخيوط الأربعة مؤلف من ألف خيط!، ووجدوا كذلك أن كل واحد من الألف يخرج من قناة مخصوصة في جسم العنكبوت، وهذا الأمر يقود إلى العجب، فكيف يتسع جسم العنكبوت إلى ألف ثقب، يخرج من كلٍ منها أربع من خيوط العنكبوت؟!. وعليه فإن خيط العنكبوت يتكون في مجمله من أربعة آلاف خيط!!

وأعجب من ذلك كله أن بعض العلماء الألمان قد وجدوا أنه إذا ضم أربعة بلايين من تلك الخيوط إلى بعضها البعض فإن سمكها لن يتجاوز عندها سمُك شعرةٍ واحدةٍ من شعر رأس الإنسان!!. ومن غريب ما نحن بصدده من الحديث عن بيت العنكبوت ما كشف عنه العلم من القوة الكامنة في خيط العنكبوت، سواء من ناحية دقة غزله، أو قوة تحمله في حال جمعه إلى بعضه بعضا، إلى درجة أن تلك الخيوط لو ضمت إلى بعضها فستصبح حينها أشد قوة من سلك من الفولاذ له نفس السُمْك، وقد بدأ العلماء بالفعل يفكرون في الكيفية التي يمكنهم معها استخدام تلك الخيوط لحياكة الأردية الواقية من الرصاص.

إن المدهش في تناول القرآن لهذا الأمر أن جميع الحقائق التي تم الكشف عنها لا تصطدم ،سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مع ما جاء القرآن به، إذ يدهشنا أن القرآن الكريم قد تحدث عن العنكبوت التي اتخذت بيتا، فجاء العلم الحديث ليخبرنا بأن الأنثى بالفعل هي من تقوم باتخاذ البيت!!

ويدهشنا كذلك أننا وجدنا القرآن الكريم يتحدث عن ضعف "بيت العنكبوت" لا عن ضعف الخيط ذاته!. وهذا ما أثبتته الأبحاث العلمية بالفعل، وعلى الرغم مما يطرحه "العنكبوت" و"بيته" من لغز (قد يبدو مناقضا لما هو معلوم لنا من خلال خبراتنا ومشاهداتنا في عالم الطبيعة) إلا أن ما يطرحه القرآن الكريم يبدو أشد غرابة؟!، فالنظر بشكل متكامل إلى الآيات القرآنية التي تحكي قصة العنكبوت؛ إنما يعطينا فرصة لوضع اليد على سرٍ عجيب من أسرار الاجتماع البشري على هذه الأرض منذ بداية الخلق وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!

ولكي نتوصل إلى ذلك السر فلابد من متابعة الآيات الكريمة بنفس تسلسلها الذي تطرحه سورة "العنكبوت"، إذ تبتدئ السورة بإحدى عشرة آية مدنية، بعكس بقية السورة والتي هي مكية... والحد بين المدني والمكي في هذه السورة إنما هو الحدّ الذي تبتدئ معه الصورة التي نحن بصددها بالتشكل والارتسام، حيث تبدأ معالمها تلوح لنا ابتداء من الآية رقم(12) (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم...} وهذه المقولة بالذات هي عقدة الحكاية التي نحن بصددها!

وتتحدث الآيات الأحد عشر الأولى عن رحلة الإنسان على الأرض، مع ما يرافق ذلك الوجود من فتنٍ ومرارات {أحسبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللهُ الذينَ صدقوا وليعلمنّ الكاذبين}.

ولقد اعتبر القرآن الكريم تلك الفتن علامات ضرورية للإنسان لإثبات الصدق على طريق الحق. وتضع الآيات الكريمة نقطتين مضيئتين أساسيتين في رحلة الإنسان، وهما معلمان من معالم الحق في رحلته على ذلك الطريق، وهاتان النقطتان هما: الإحسان إلى الوالدين واجتناب الشرك بالله {ووصينا الإنسانَ بوالديهِ حُسنا، وإن جاهداك لتشركَ بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما}

ثم تعود السورة لتلح على أذهاننا بحقيقة ذلك الطريق الذي يجب علينا أن نسلكه {ومن الناسِ من يقولُ آمنا فإذا أُوذي في اللهِ جعلَ فتنةَ الناسِ كعذابِ الله.}!! ويخبرنا بالنهاية التي ستئول إليها الأمور: {وليعلمنّ اللهُ الذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين}.إذن.فهو توصيف لرحلة الإنسان على الأرض بما يتمايز فيه طريق الحق عن طريق الضلال... وبما ينتج عنه من إيمان أو كفر، وبما تنتهي إليه من جنة أو جحيم!!

ونفهم من سياق الآيات بأن تلك المقدمة إنما كانت ضرورة موضوعية لا غنى عنها؛ لإعداد السامع لما سيتم تقديمه من عرض خطير!!.هو رحلة البشرية جميعها: بنماذجها، بشخوصها، بمقدماتها وبنتائجها،ببداياتها وبنهاياتها المتناقضة: فريق في الجنة وفريق في السعير!!

وهنا تبتدئ رحلتنا مع النموذج الذي نحن بصدده {كمثلِ العنكبوتِ اتخذتْ بيتاً}ولنلاحظ أن منهج "التكامل" الذي نتحدث عنه يرصد آية العنكبوت المشار إليها (ورقمها 41) فيجعل بدايتها قبل ذلك بكثير؛ فبدايتها تحديداً هي الآية(12) ولكي لا نضيع في التفاصيل فلنتذكر دائماً أن كل حلقة من الحلقات التي تعرضها السورة إنما تمثل رحلة كل نبي مع قومه، والتي تعرضها السورة من خلال خمسة عناصر أساسية، إلا إذا اقتضت ،خصوصية ما، عرض الرواية من خلال بعض عناصرها فقط وليس كلها، والعناصر التي نتحدث عنها وتكاد تتكرر في قصة كل نبي مع قومه هي:

1- وجود انحراف بشري عن خط الرسالة الإلهية؛ نتيجة لما يزينه الشيطان في صدور أوليائه. وإرسال الرسل ،من ثمّ، لتقويم ذلك الانحراف.

2- تكذيب الأقوام المختلفة بالمرسلين إليهم.

3- إيقاع الله العذاب بالمكذبين.

4- يترك الله عز وجل في بيوت المكذبين آية تدل على ما حاق بهم من عقاب.

5- يقيم الله عز وجل الحجة علينا بأن يأمرنا بالنظر في تلك الآيات واستقاء العبرة منها!..

وضمن السياق العام للعناصر الخمسة التي أوردناها فسنجد أن الآية (13) من سورة "العنكبوت" (بداية رسم الصورة الفنية بعد أن كانت الآية 12 مقدمة موضوعية لابد منها) وتتحدث الآية (13) عن حلقة من حلقات السلسلة الرسالية، وتجربة من تجارب الرسل على هذه الأرض، فهي تتحدث عن رسالة نوح عليه السلام: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبثَ فيهم ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً}..

وتنتهي قصة قوم نوح عليه السلام بالحديث عن النهاية المأساوية للمكذبين: {فأخذَهُمُ الطوفانُ وهم ظالمون}

...ويتم القصد والغرض من إيراد القصة بأن تطلب الآيات ممن يأتي من بعد أن يأخذ العبرة مما حدث، وان يتعظ بالآيات التي تُركت في ديار المكذبين: {فأنجيناهُ وأصحابَ السفينةِ وجعلناها آيةً للعالمين}!!

ويشير القرآن الكريم إلى العلامات التي تركها العقاب في ديار الظالمين، وتجعل الآيات الكريمة من تلك العلامات معالم بارزة في هذه الرواية وفي كل رواية، فهي تعني العبرة، وتعني قيام الحجة الإلهية واستمرارها على الخلق أجمعين ما بقيت تلك العلامات والآيات، حيث تقتضي العناية الإلهية قيام الحجة قبل وقوع العقاب {وما كُنا مُعذبينَ حتى نبعثَ رسولا}!!

وبعد أن يتم إغلاق الملف الأول (الحلقة الأولى في السلسلة) يتم فتح ملف آخر، إذا ما قرأناه بطريقة تكاملية لوجدنا أن له ،تقريبا، نفس الملامح والتقاسيم، بل وله نفس العناصر الأساسية التي تحدثنا عنها{وإبراهيم إذ قالَ لقومهِ اعبدوا الله واتقوه}وهذا هو العنصر الأول من العناصر الخمسة التي ترسم ملامح الرواية الإنسانية!

{فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرِّقوه}وهذا هو العنصر الثاني... حيث التكذيب بما يجيء به الرسل!...

وهنا يجدر بنا التوقف قليلاً لنتعرف على خاصية مهمة يتميز بها النص القرآني الكريم، وهي الخاصية التي كانت سببا ،في كثير من الأحيان، في إعاقة العقل البشري ،بقدراته المحدودة، عن المتابعة الدقيقة لما يلقيه النص في الروع من معاني، بما يشير إلى أن "الحركة التركيبية للنص القرآني الكريم هي أسرع ،وبما لا يقاس، من الحركة التفسيرية للعقل البشري"! وتشتمل الحركة التركيبية الفريدة للنص القرآني على مجموعة من عمليات التفرع عن الأصل الواحد أو ما نطلق عليه بـ "السياق" ثم العودة إلى ذلك الأصل (أو السياق) مرة أخرى، ويكمن عجز العقل البشري في: عدم قدرته على التمييز بين نقاط التفرع عن الأصل ونقاط العودة إليه!!.مما يجعل النص (من وجهة نظر العقل) وكأنه مجموعة غير متجانسة من الآيات؛ التي تعطي مجموعة غير متناسقة من الإشارات مما ينتج عنه ،في كثير من الأحيان، ضياع الخيط الأصلي الذي يشد أزر الرواية ويحدد اتجاهاتها!!

وإذا ما طبّقنا مقولتنا حول "تفرع النص وعودته للتجمع من جديد" على الآيات الواقعة بين الآية رقم (16) والآية رقم (23) من السورة {وإبراهيم إذ قالَ لقومِهِ اعبدوا الله واتقوه ذلكم خيرٌ لكم إنْ كُنتم تعلمون}(الآية16)إنما تعبدون من دون الله أوثانا...(17) وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم(18) أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده(19) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق(20) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء.(21) وما أنتم بمعجزين في الأرض(22) والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي(23) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار..(24)؛ وبالنظر للآيات المشار إليها فسنجد أنها تتحدث عن أمور فرعية ليست من أصل الرواية، لكنها ضرورية لرسم ملامحها على كل حال!







توقيع : عمرو عبده
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
[img]http://img148.**************/img148/7069/2593sc.gif[/img]
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة