عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 1  
قديم 17 / 02 / 2007, 39 : 07 PM
أبو القوافي
ضيف عزيز
المنتدى : اقلام صحفية 2005-2010
تاريخ التسجيل العضوية العمر المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
08 / 12 / 2006 3134 60 26 0.00 يوميا 212 10 أبو القوافي is on a distinguished road
أبو القوافي غير متصل

" تاريخ الأمم الإسلامية " [1]

إذا ذكر الإسلام اتجهت النفس إلى ذلك الدين الذي جاء به سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فأصلح به من شأن الشعوب العربية وألف بين قلوبها وهيأها لأن تسيح إلى ما جاورها من الأقاليم وتؤسس سلطانا يرتكز على دعامة ذلك الدين ومن ثم فعلينا أن نرجع حديثنا إلى ثلاثة أمور يستتبع بعضها بعضا :

الأول - الدين الإسلامي : وكيف تأسست قواعده وتقررت مبادئه والمصاعب التي وقفت في طريقه حتى غلب عليها الثبات والصبر .

الثاني - تأثيره في النفوس العربية حتى استعدت لبسط سلطانها على ما جاورها من الأقاليم وما كان منها في سبيل ذلك من الحروب والأعمال حتى عظم قدرها واتسع سلطانها منقادا إلى سلطان الدين

الثالث - ما كان من انتقال هذا السلطان عن الأمم العربية إلى غيرها من الأمم التي دانت بالإسلام وما كان للدين من التأثير في قيام دولة وأخرى وفي حضارة الأمم التابعة لسلطانه .

ولما كان مهد هذا الدين هو بلاد العرب ومحل التأثير به لأول مرة هم العرب لم يكن لنا بد من ذكر مقدمة إجماليه في تخطيط بلاد العرب وذكر الشعوب العربية وحالهم قبل مجيء الإسلام لتكون أمامنا منهم صورة تفهمنا مقدار استعدادهم للتأثير بذلك الدين . إلا أنّا سنقدم كلمة صغيرة في أول واجب على من يدرس تاريخ أمة أو فرد . كثير ممن اشتغلوا بالتاريخ كانت عواطفهم تتحكم في حوادثه تحكما تضيع به الفائدة من دراسة التاريخ فإن عاطفة الحب تجعل كل ما ليس بحسن حسنا وتجتهد في تأويل الحوادث بوجه ليس فيه غضاضة حتى ما أدى منها إلى سقوط فاعله وخيبته . وعاطفة الكراهة تدعو إلى ضد ذلك . فتجعل الحسن قبيحا وتستنبط من الخير شرا ولم يخلص من هذا الشر العظيم الذي يطمس معالم التاريخ ويضيع الفائدة من تجارب أمم إلا نفر قليل جدا .

فلابد أن نجعل أمام أعيننا أنّا سندرس تاريخ أمم إن كانت قد أخطأت في بعض تصرفاتها فليس علينا من تبعة ذلك الخطأ شيء ليس لنا إلا أن نعرفه ونستفيد منه . وإن كانت قد أصابت المحجة . فإن ذلك لا ينفعنا إذا لم يكن لنا مثل أعمالهم لذلك يحتاج دارس التاريخ إلى سعة صدر تحتمل كل ما يرد على تاريخ قومه من نقد حتى لا تبقى حقائق الأشياء محجوبة بسبب عاطفتي الحب والبغض .

جزيرة العرب :
يطلق العرب على قطعة الأرض التي نشأوا فيها " جزيرة العرب " مع أنه لم تتم إحاطتها بالماء كما يقول ياقوت في معجم البلدان نقلا عن هشام بن محمد السائب عن أبي عباس إنما سميت بلاد العرب جزيرة لإحاطة الأنهار والبحار بها من جميع أقطارها وأطرافها فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر .

وعلينا أن ندرك أن ولايات الشام كانت معدودة من جزيرة العرب وهذا غير مرضي عند المؤرخين فإنهم يحدون بلاد العرب من الشمال ببلاد الشام وفلسطين فهذان خارجان عنها وإن كان العرب قد سكنوا قبل الإسلام جزءا مهما من بلاد سوريا وعلى ذلك لابد من القول أن هناك تسامحا في إطلاق لفظ الجزيرة في البلاد العربية .

أقسام الجزيرة الطبيعية :

قسم العرب جزيرتهم إلى خمسة أقسام بحسب طبيعتها وهي : ( تهامة - الحجاز - نجد - اليمن - العروض )
* فأما تهامة : ويقال لها الغور فهي الأراضي التي على شاطي بحر القلزم - البحر الأحمر - ممتدة عرضا إلى سلسلة جبال السراة وسموها تهامة لشدة حرها وركود ريحها من التهم وهو شدة الحر وركود الريح : يقال تهم الحر إذا اشتد وسموها غورا لانخفاض أرضها .
* وأما الحجاز : فهي سلسلة جبل السراة الممتدة من أقصى اليمين إلى الشمال في عرض أربعة أيام يزيد كسر يوم في المواضع وقد ينقص مثلها في أخرى فمبدأ هذه السراة من أرض اليمن أرض المعافر وهي قبيلة قحطانية كانت تسكن شرق عدن ثم تمتد حتى تبلغ الشام وتقطعها الوديان في بعض جهاتها وإنما سميت الحجاز لأنها حجزت بين الغور ونجد
* وأما نجد : فهو ما دون ذلك الجبل إلى شرقيّه يبتدئ جنوبا من أدنى حدود اليمن وينتهي إلى السماوة وينتهي من الشرق إلى العروض وأطراف العراق وسمي نجدا لارتفاع أرضه .
* وأما اليمن : فهو ما كان جنوبي نجد إلى ساحل بحر الهند ويمتد شرقا إلى حضرموت والشحر وعمان وفيه التهائم والنجد .
* وأما العروض : فينتظم بلاد اليمامة والبحرين وما والاها وفيه نجد وغور لقربه من البحر وانخفاض مواضع منه ومسايل أودية وسمي عروضا لاعتراضه بين اليمن ونجد والعراق .

الوصف الطبيعي لجزيرة العرب

أرض جزيرة العرب كثيرة الجبال الجرداء المختلفة اللون ومنها الحرار - جمع حره وهي الجبال السوداء - التي كأنها فحم محترق ويتخلل هذه الجبال كثير من الوديان أعدتها السيول ليجري فيها ماؤها والصحاري الرملية المترامية الأطراف

فما كان من أرضها قريبا من هذه الوديان أخصب وأنبت الكلأ والمرعى فتمكن أهله من الإقامة فيه حيث يجدون ما يشربون ويسيمون فيه أنعامهم وما بعد عنها أقفر ولم يصلح للسكنى .

وأعظم واد ببلاد العرب " الدهناء " وهو الوادي الذي في بلاد بني تميم يمر في بلاد بني أسد فيسمونه " منعجا " ثم في " غطفان " فيسمونه " الرمة " وهو أول نجد ويصب في الرمة أودية أخرى أكبر كوادي " الجريب " لسان الرمة :
كل بني فإنه يحييني ... إلا الجريب فإنه يرويني
ثم يمر في بلاد طيء فيسمونه " حائلا " وهو واد في جبل طيء ثم يمر في بلاد كلاب فيسمونه " قراقر " ثم في بلاد تغلب فيسمونه " سمودي " وإذا انتهى إليهم عطف إلى بلاد كلب فيصير إلى النيل وهو نهر يتخلج من الفرات الكبير ويخترق بلدة اسمها النيل في سواد الكوفة . ومتى أخصبت الدهناء ربعت العرب جميعا لسعتها وكثرة شجرها طيبة التربة طيبة الهواء .

وبلاد اليمن كثيرة الوديان منها ما يقطع السراة حتى تنتهي إلى البحر ومنها ما هو على عكس ذلك الاتجاه . فمن أعظم الوديان المتجهة إلى البحر وادي " مور " وهو ميزاب تهامة الأعظم . ويتلوه في العظم وبعد المأتى وادي " زبيد " ومن أعظم الوديان المتجهة إلى الشرق " ميزاب اليمن الشرقي " وهو يضارع " مورا " ويصب فيه كثير من الوديان وهو الذي يفضي إلى موضع السد " سد مأرب " ويسقي بعدها أرض " الجنتين " وأرض " السبتين " ... وهناك وديان كثيرة في الجوف بين الجبلين .

والعرب تسمي المواضع التي يستنقع فيها الماء رياضا ً وهو جمع روضة وذلك الاسم خاص مما يكون في الأرض الواطئة . وإن كان في أعالي البراق ( أرض ذات ألوان مختلفة ) والقفاف ( ما ارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا ) فهو " السلقان " واحدها " سلق "

ولهم مياه يسمونها " الأحساء " والحساء جمع " حسي " وهو موضع رمل تحته صلابة فإذا أمطرت السماء على ذلك الرمل نزل الماء فمنعته الصلابة أن يغيض ومنع الرمل السمائم أن تشفه فإذا بحث ذلك الرمل أصيب الماء .

أما ما عداها فإن شمال الحجاز تقل به هذه الوديان وجل اعتماد أهله على العيون الضئيلة التي لا تروي الشارب مع الجهد وربما جادهم الغيث فنبت الكلأ في بعض سهولهم القريبة من الوديان وأما نجد والعروض ففيهما وادي الدهناء وما يصب فيه من صغار الأودية ولكن الانتفاع بجميع مائه غير ميسور لأن الكثير من مائه يغيض في الرمال فاشتدت الحال بمن يقيم عليه من القبائل .

ومن هنا قلما كان العرب في بواديهم يبقون في مكان واحد وإنما يتبعون مواقع القطر أنى كان لتربع أنعامهم وتنفرج كربتها .

ولما كانت قلة الماء وعدم انتظامه يستدعيان - بحكم الضرورة - عدم الاعتماد على ما تنبته الأرض من المزروعات الدورية التي لا تصلح للإنسان كان جل أعمال أهل البادية على أنعامهم ولا سيما الإبل منها يأكلون لحومها ويشربون ألبانها ويكتسون بوبرها وتحمل أثقالهم في تلك الصحاري المقفرة إلى ما يرومون من الجهات .

أما بلاد اليمن فإنها كانت تزرع لكثرة المياه هناك والتمكن من الانتفاع بها والمدن بها أكثر من أي جهة أخرى في الجزيرة لأن تمدين المدن في غير السواحل البحرية يعتمد على المياه الوفيرة وسهولة الحصول عليها . .


" وإلى لقاء آخر في المحاضرة التالية نتناول فيها [ جو البلاد - محاج الجزيرة - الشعوب العربية ] "
أخوكم في الله " أبو القوافي "







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة