عرض مشاركة واحدة
  المشاركة رقم: 18  
قديم 18 / 11 / 2009, 07 : 01 AM
abo aziz
عضـــو مؤسس ثاني
كاتب الموضوع : abo aziz المنتدى : القصص والروايات
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
06 / 08 / 2007 3628 فلسطين 1,121 0.18 يوميا 228 103 abo aziz will become famous soon enough abo aziz will become famous soon enough
abo aziz غير متصل

رد: رواية رجال في الشمس- غسان كنفاني

منذ أسبوع خرج الحج رضا في قافلة من سياراته إلى رحلة قنص أقامها خصيصا من أجل ضيوف ينزلون عنده، وقد كلف أبو الخيزران بقيادة سيارة الماء الكبيرة، التي سترافق القافلة طوال الرحلة وتؤمن الماء الوفير للرجال أثناء الرحلة التي قد تستغرق أكثر من يومين.. لقد ضربت القافلة بعيدا في الصحراء حتى أن الحج رضا فضل أن يسلك في طريق عودته دروباً أخرى تصل به إلى الزبير، ومن الزبير يستطيع أن يسلك الطريق الرئيسي الذي يعود إلى الكويت.. كان من الممكن أن يكون أبو الخيزران الآن في الكويت، مع بقية القافلة لو لم يصب سيارته الكبيرة عطل صغير يضطره للبقاء في البصرة
يومين آخرين حتى يصلحه، ثم يلحق بمن سبق.
- أنت تريد إذن أن تضعنا داخل خزان ماء سيارتك في طريق عودتك؟
- بالضبط ! لقد قلت لنفسي: لماذا لا تنتهز الفرصة فترتزق بقرشين نظيفين طالما أنت هنا، وطالما أن سيارتك لا تخضع للتفتيش؟
نظر مروان إلى أبي قيس، ثم إلى أسعد فنظرا إليه بدورهما متسائلين:
- اسمع يا أبا الخيزران.. هذه اللعبة لا تعجبني ! هل تستطيع أن تتصور ذلك؟ في مثل هذا الحر من يستطيع أن يجلس في خزان ماء مقفل؟
- لا تجعل من القضية مأساة، هذه ليست أول مرة.. هل تعرف ما الذي سيحدث؟ ستنزلون إلى الخزان قبل نقطة الحدود في صفوان بخمسين متراً، سأقف على الحدود أقل من خمس دقائق، بعد الحدود بخمسين مترا ستصعدون إلى فوق.. وفي المطلاع على حدود الكويت، سنكرر المسرحية لخمس دقائق أخرى، ثم هوب ! ستجدون أنفسكم في الكويت !
هز أسعد رأسه ثم حدق إلى الأرض لبرهة وقد قلب شفته السفلى، أما مروان فقد أخذ يتلهي بقصف عود جاف، وواصل أبو قيس التحديق إلى السائق طويل القامة.. وفجأة قال مروان:
- هل يوجد ماء في الخزان؟.
انفجر أبو الخيزران ضاحكاً وابتسم أسعد:
- طبعاً لا .. ماذا تعتقد ؟ هل أنا مهرب أم معلم سباحة؟.
وكأنما راقت الفكرة لأبي الخيزران فقد مضى يقهقه ويضرب فخذيه بكفيه ويدور حول نفسه..
- ماذا تعتقد؟ هل أنا معلم سباحة؟ أيها الصغير: إن الخزان لم ير الماء منذ ستة شهور !
قال أسعد بهدوء:
- حسبت أنك كنت تنقل الماء في رحلة قنص قبل أسبوع؟
- أوف.. أنت تعرف، تعرف ماذا أقصد.
- لا، لا أعرف.
- أقصد منذ ستة أيام.. إن المرء يبالغ أحياناً.. والآن، هل اتفقنا؟.. دعونا ننهي هذا الاجتماع الخطير !
وقف أبو قيس مهيئا نفسه للقول الفصل ولكنه قبل أن ينطق دور بصره على الجميع وتوقف هنيهة وهو ينظر إلى أسعد كأنه يرجوه العون، ثم اقترب من أبي الخيزران..
- اسمع يا أبا الخيزران.. أنا رجل درويش ولا أفهم بكل هذه التعقيدات.. ولكن قصة رحلة القنص تلك، لم تعجبيني.. تقول أنك حملت للحج رضا، ماء، ثم تقول الآن إن خزان سيارتك لم يشم رائحة الماء منذ ستة أشهر. سأقول لك الحقيقة وأرجو أن لا تغضب : أنا أشك في أنك تملك سيارة ..
التفت أبو قيس للبقية ومضى يكمل بصوت حزين:
- أنا أفضل أن أدفع خمسة عشر ديناراً وأذهب مع مهرب عن طريق الصحراء..
لا أريد مزيدا من المشاكل.
ضحك أبو الخيزران وقال بصوت عال:
- اذهب وجرب.. أتحسب أنني لا أعرف هؤلاء المهربين ؟ سيتركونكم في منتصف الطريق ويذوبون مثل فص الملح ! وأنتم بدوركم ستذيبون في قيظ آب دون أن يشعر بكم أحد.. اذهب اذهب وجرب.. قبلك جرب الكثيرون.. تريد أن أدلك ؟ لماذا تحسب أنهم يأخذون منكم المبلغ سلفا؟
- " ولكنني أعرف كثيرين وصلوا إلى هناك من طريق المهربين ".
- "عشرة بالمئة على الأكثر.. ثم اذهب واسألهم وسيقولون لك أنهم أكملوا الطريق بلا مهرب وبلد دليل، وأن حظهم قد ساعدهم على النجاة. "
- جمد أبو قيس في مكانه، وبدا للحظة أنه موشك على السقوط. ولاحظ مروان أن أبا قيس يشبه والده إلى حد بعيد، فأشاح بوجهه عنه، لم يعد بوسعه أن يركز رأسه على موضوع واحد.. فيما مضى أبو الخيزران صائحا:
- يجب أن تقرروا بسرعة ! ليس لدى مزيد من الوقت لأضيعه، أقسم لكم بشرفي...
قال أسعد مقاطعا بهدوء:
- اترك موضوع الشرف في ناحية أخرى . الأمور تمضي بشكل أفضل حين لا يقسم المرء بشرفه..
التفت. أبو الخيزران إليه وقال:
- والآن يا سيد أسعد، أنت رجل ذكي ومجرب.. ما رأيك؟
رأيي بماذا؟
بكل شيء..
ابتسم أسعد ولاحظ أن أبا قيس ومروان ينتظران أن يسمعا قراره، فمضى يحكي ببطء وسخرية:
أولاً، أعفينا من تصديق قصة رحلة القنص ! يبدو لي أن الحج رضا وجنابك تعملان بالتهريب.. عفوك قليلا، دعني أكمل.. الحج رضا يعتقد أن تهريب الأشخاص في طريق العودة أمر تافه، لذلك يتركه لك، أما أنت فتترك له بالمقابل تهريب الأمور الأهم.. وبنسبة من الأرباح المعقولة، أم تراه لا يعرف أنك تهرب أشخاصا في طريق العودة؟
ابتسم أبو الخيزران ابتسامة واسعة فبانت أسنانه البيضاء النظيفة من جديد وبدا أنه لا يريد أن يجيب أسعد.. قال مروان فجأة:
وقصة القنص؟
أوه ! قصة القنص معدة لرجال الحدود، ليس لنا.. ولكن أبا الخيزران لا يجد بأسا من أن يرويها..
اتسعت ابتسامة أبي الخيزران أكثر من قبل وأخذ يبادل الرجال النظر دون أن يتكلم.. وبدا، للحظة، أنه غبي.
قال أبو قيس:
ولكن ماذا يهرب الحج رضا؟ لقد قلت أنه رجل ثري !.
نظر الجميع إلى أبي الخيزران الذي كف، فجأة، عن الابتسام وعاد وجهه يكتسي بطابع اللامبالاة والتسلط ثم قال بحزم:
- والآن كفوا عن الثرثرة.. يجب أن لا تعتقد يا سيد أسعد أنك ذكي إلى هذا الحد .. ماذا قررتم؟
قال أسعد بهدوء:
- أنا شخصياً لا أهتم إلا بموضوع وصولي إلى الكويت، أما ما عدا ذلك فإنه لا يعنيني .. ولذلك فإنني سأسافر مع أبي الخيزران .
قال مروان بحماسة .
- وأنا سأسافر معكما .
قال أبو قيس :
- هل تعتقدون أنه بوسعي أن أرافقكم أنا رجل عجوز ..
ضحك أبو الخيزران بعنف ثم شبك ذراعه بذراع أبي قيس .
- له ! له ! يا قيس .. من الذي أوهمك أنك عجوز إلى هذا الحد ؟ ربما أم قيس ! له ! يجب أن تأتي معنا ..
كانا قد سارا خطوات قليلة معا وتركا مروان وأسعد واقفين إلى جانب مقعد الإسمنت الكبير ، التفت أبو الخيزران من قوف كتفه وصاح :
- سينام أبو قيس معي في السيارة .. وسأزمر لكل صباح غدا الباكر أمام الفندق .







رد مع اقتباس مشاركة محذوفة