<تذكر أيها (السراج)

>لطالما أشعل هذا السراج ليالي مملوءة بالأنس والمحبة.. لطالما توقد ليلا بضحكات أصحابه وتسامرهم واجتماعهم على الخير والصفاء.. لطالما استمد نوره من تلك الوجوه الطاهرة التي لا تعرف التلون والاصطناع.. استمد شموخه وتحديه من هممهم وصبرهم، فلم يأبه بعوامل التعرية وكآبة الزمن.. لطالما اشتعلت تلك الفتيلة وأنارت مجالس تناثرت في أركانها عقود المحبة ولآلئ المودة وبساطة المعيشة، لتقف أيها السراج نبراسا مضيئا في قلوبنا تتذكر مرور ضوئك على أعيننا بكل دفء وحنان.
لتقف شامخا في مكانك كما تركك أصحابك، لتثبت لهم أنك لا تتغير رغم مرور السنين ومرارتها وقسوتها، وبرغم أن منظرك يوحي بقدوم انهيار في جدار الزمن ينهي ذلك الشموخ، إلا انك لم تأبه؛ فعزاؤك الوحيد هو الوفاء فقط. إنه بالفعل منظر مؤثر.. إنه الشموخ المتعلق على جدار الذكريات بكل إصرار وقوة.. إنها الروعة والتحدي.
استرجع ذكرياتك أيها السراج، تذكر تلك الأيدي التي تحملك لتنير لها الطريق، وتذكر تلك اللحظات التي نفخوك فيها بأنفاسهم العطرة ليختفي وهجك المضيء معلنا نهاية ليلة سعيدة، هل تتذكر أيها السراج كم مسحوا بأيديهم الوفية على زجاجك الذي امتلأ بالعتامة، وكيف كنت تتلذذ بتلك المسحات الحانية التي تبعث فيك كل ما من شأنه الصفاء والوضوح.
آه، إنها الأيام والسنون تمر بسرعة.. لقد ذهبوا وبقيت أنت، وثق أنهم لم يتناسوك، وأنك أنت من فضل البقاء على جدار الطين وحيدا في مهب الريح تواجه الصعاب مرفوع الهامة تسترجع ذلك الماضي الجميل وما يحمله من أوقات عذبة.. يحدوك الأمل يوما ما بعودة تلك الأيدي ولو لدقيقة واحدة فقط لتمسح عنك غبار الزمن وحسراته.
شكرا أيها السراج؛ فقد كنت أخا وفيا ونبراسا مضيئا، وستبقى كذلك تستمد قوتك وثباتك من تلك الليالي الرائعة إلى أن يقضي الله فيك أمره وتصل إلى النهاية التي ستكون قاسية لا يزيل مرارتها سوى هذه الصورة العبقة والذكرى الجميلة التي سيقف لها الأهل احتراما وتقديرا.

عبدالله سليمان العمار - القرائن