خـــــــــــدمات الأعضــــــــــــاء

العودة   ملتقى النخبة > النخبة 2011 > سواليف أدبــاء
.::||[ آخر المشاركات ]||::.
 

إضافة رد
 
 
LinkBack أدوات الموضوع
  المشاركة رقم: 1  
قديم 23 / 01 / 2022, 05 : 10 AM
الصورة الرمزية SALMAN
مؤسس الموقع
المنتدى : سواليف أدبــاء
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
14 / 03 / 2005 1 المكتبة 7,605 1.09 يوميا 385 10 SALMAN is on a distinguished road
SALMAN غير متصل

خيوط من زجاج

خيوط من زجاج- سارة التويمي
https://www.al-jazirah.com/2022/20220121/cm23.htm
أصابتها نوبة ربو شديدة، لم تعد الأدوية والبخاخات تجدي نفعاً مع حالتها، صعُب علي إسعافها؛ لم أعرف ماذا أفعل مع عمتي العجوز في هذا الموقف الصعب، ضَغَطَتْ عمتي على يدي ثم طلبت مني بصوتها المبحوح وأنفاسها المتسارعة مع السعال المستمر أن أطلب المساعدة من الجيران، بين الهلع والاستعجال طرقت باب الشقة المقابلة لنا (أبو حمدي) خرج ابنه حمدي وكانت هذه المرة الأولى التي أراه فيها بعد عودته من لندن، شاب عاري الصدر تتدفق منه الحيوية مفتول العضلات والقوة.

أسرع ملبيا النداء، اتصل بالإسعاف وتم نقل عمتي للمستشفى، ظل معي طوال الليل ورفض العودة حتى أخبرنا الطبيب أنه لم يعد لوجودنا داع وأن عمتي ستمكث لديهم قرابة أسبوع على الأقل، عدنا للعمارة التي نسكن بها وهو صامت لا يتحدث طوال الطريق، قبل أن يدخل شقته سألني الاعتناء بنفسي وألا أتردد من طلب أي مساعدة إن دعت الحاجه لذلك..

لا أعلم ما أصابني بعدها، ظلّت صورته ترنّ بخيالي لا تفارقني، طويل القامة، كثيف الشعر، مقرون الحاجبين، واسع العينين، متناسق الجسد شديد النظافة مهتم بمظهره كثيرا..

كان يختلس النظر إلي عبر النافذة كل صباح وأنا أخرج من باب العمارة ذهاباً للجامعة، لكني لم أتأكد إن كان ينظر لي أنا بالتحديد أم يراقب المارة!

ذات مساء قطع طريقي مجموعة من الشبان، انتابني خوف شديد والشمس في أفول بطيئ تتوارى خلف الأفق لم أعرف ماذا أفعل والشارع أشبه بالفارغ من المارة، حتى لو صرخت استنجادا، فمن ذا الذي ينقذني من هؤلاء ولا أحد ههنا غيرهم!! تراجعت للخلف حتى توسدت الجدار ولملمت جسدي والدموع تنسكب على خدي بلا توقف!! خوف فظيع يلتهمني بلا رحمة؛ لاحت لي بؤر الحرمان طيلة سنوات عمري فمنذ رحيل والدتي عن الحياة وزواج والدي من مديرته بالعمل بعد قصة حب كان بسببها وفاة أمي قهرا وحزنا، طردتني زوجته من بيتها، وكأني لقمة غير مستساغه؛ لا أحد يريدني!

حتى ضمتني عمتي لحضنها رحمة لحالي وحتى أملأ الفراغ الذي خلفه غياب زوجها الذي أحبته طوال عمرها وأبت الزواج من بعده، ولاتزال تزور قبره كل جمعة وتذرف الدموع على ترابه..

أحبتني كثيرا ولم تبخل علي بشيء حتى تكاليف الجامعة كانت تدفعها دون أن تطلب من والدي مصروفا لي!

بكيت حتى خلت أن شهقاتي ستخنقني، ورنّت من حولي صفعة صوتها غليظ صفقت على وجه أحدهم, رفعت رأسي لأرى»حمدي» يضرب الشباب بقوة وعينيه ترميان بشرر متطاير غضباً، ضربهم وضربوه حتى انتهت المعركة بهروبهم، بقيت مشدوهة مما رأيت، لقد تحمل كل هذا من أجلي!

اقترب مني بعد أن مسح آثار الدم من على وجهه، أمسك بيدي ثم دلفنا سوياً لمقهى يركن في زاوية هذا الشارع، طلب حمدي كأسان من عصر الليمون والنعناع ليهدئ روعي ويهدئ أعصابه، وظل يوبخني لأني مشيت وحدي والليل يهم بالدخول، اغرورقت عينيَّ بالدموع وقلت له من بين شهقاتي: كنت ذاهبة لزيارة عمتي في المستشفى فور خروجي من الجامعة وليس لي أحد غيرها في هذه الدنيا، لا تلمني!!

لم يعقب على كلامي وكأني به يلوم نفسه على توبيخه، وبعدها عدنا معاً إلى العمارة وافترقنا عند المدخل..

بقيت الليل كله أتقلب كالمقروصة في فراشي أتذكر المشهد وقوة حمدي وصراخه على الشباب وابتسم بفخر

منذ هذا الموقف الرائع له. أصبحت علاقتي بحمدي تزداد قوة يوما بعد يوم، حتى أننا صرنا نلتقي عصر كل يوم في المقهى ذاته..

وبعد أيام لم يطل أمدها خرجت عمتي من المستشفى فأقمنا لذلك حفلة صغيرة جمعنا فيها نساء العمارة وبعض صديقات عمتي.

قالت أم عصام وهي تعقب على حديثهن عن الدراسة في الخارج:

- أجزم أن الشباب العائدين من الدراسة في الخارج ؛أكثرهم تعلم الفساد وعاد إلينا به!! يجب ألا نسمح لأبنائنا السفر إلى هناك.. الدراسة في الوطن أكثر أمناً وحفاظاً على سلوكهم وأخلاقهم!!

وافقنها أكثر النساء وكل واحدة تسرد قصة عن سوء الدراسة في الخارج وما فيها من فساد أخلاقي

شعرت بغيظ كبير حينها؛ أردت أن أقول؛ إن حمدي مختلف عنهم وأن العيب يكمن في الوطن؛ إذ إنه جعلهم يتخبطون ضائعين بسبب البطالة، وذلك ما أدى إلى فسادهم من كل النواحي، رغم أن بعضهم خريجين من جامعات الوطن وبعضهم من جامعات الخارج!

ذات مرة وصلت المقهى قبل حمدي..

لفت انتباهي شاب وفتاة يبدوان كحبيبين وهما قريبا الأعناق من بعضهما البعض ويهمسان ثم يبتسمان في خجل، فوجدتني على ذلك ابتسم ولا أعلم لماذا..؟؟

دخل حمدي المقهى فأشرت له بيدي؛ اقترب مني ثم جلس على الكرسي بعد أن ألقى سلامه، بدت ملامحة ذابلة تنبأ عن حزن عميق يترسب بداخله، سألته باهتمام كبير ما الأمر يا حمدي أقلقتني عليك!

نظر إليَّ ثم أطلق زفرة ألم شعرت أنها كتمت حتى انفجرت أمامي بعدما ضاق بها صدره، توترت حينها أطرافي أنتظر خروج الكلمة من لسانه، أنتظره ليحكي ما به وأطمئن!

وأخيراً نبس بعد تردد أنه في ضائقة مالية وأن مستقبله في خطر ويحتاج إلى 2000 خلال أربع وعشرين ساعة..!

قال إن والده رفض إعطاءه المبلغ وكذلك الأصدقاء قد تخلو عنه وقت الضيق، أرخى رأسه وهو يعبث بكوب القهوة.

لم أقل شيئا حينها وكنت فقط أستمع إليه وأراقب حركاته..

ابتسم ثم قال: لا تهتمي.. وراح يسألني عن أخباري كمن يريد أن يتغير مجرى الحديث!!

عندما عدت للبيت تمددت على سريري أفكر؛ هل أعطيه المبلغ، حتماً لن يرفض فأنا صديقته..

فتحت محفظتي وأخرجت 3000 وخطر ببالي أن أفاجئه في المقهى غداً..

ما أن بزغت شمس الصبح في خدرها وأخذت تنفض غبار الظلام حتى دب الفرح بداخلي، تهندمت في لباس الجامعة ثم ذهبت إليها.. حضرت محاضرتين من أصل أربع محاضرات؛ كنت متحمسه للقاء حمدي وللمعروف الذي سأفعله له، رأيت أن يكون ذلك أقل تعبير عن امتناني لشجاعته ومعروفه لي في الفترة الماضية.

دخلت المقهى ورحت أنظر في كل الطاولات بحثا عنه، حتى لمحته أخيراً وهو يجلس في الزاوية مع بعض الشباب، اقتربت منه بخطواتٍ سريعة وقلبي يخفق بشدة، وقفت وقبل أن أقول التحية تنبهت لأحد الشبان الذين تعرضوا لي في ذلك المساء وهو يجلس بجانب حمدي، ورأيت وجه حمدي كان محمراً من الضحك وسمعته يقول وبنبرة فخر وبطولة والجميع يضحك بجلجلة: من السهل خداع فتيات اليوم؛ أنا واثق من حضورها بعد قليل بل حضور المبلغ الذي شكيت حاجتي له أمامها!!

سنستمتع يا أصحاب.. ويضحك بسخرية!!

شعرت بصفعة حارة على وجهي وسكين حادة تخترق قلبي؛ خرجت بسرعة من المقهى قبل أن يلمحني بعينيه والدموع تنسكب على خدي، وأنا أشتم كل شيء!!

كنت في كل مرة أقابله فيها أشعر بانقباض شديد خجلاً منه.. لقد كان لدي مثالاً للشاب الرائع الخلوق.. كل ذلك الآن في مهب الريح بعد صفعة مؤلمة تلقيتها بنفسي..

توقفت عند مسجد «أبو العلاء» ورأيت الرجل العجوز الذي يجلس قرب عتبة الباب يشحذ كل يوم، لم أعره اهتماماً من قبل..

ولكن هذه المرة اختلف الأمر فاقتربت منه ودسست بعض من المبلغ في يده ثم أسرعت الخطى نحو البيت والفضاءات من حولي تضيق وتكاد تخنقني وهذا الشارع الطويل أصبح أكثر طولا الآن بسبب الألم الذي يحط على قلبي..

لمع في ذهني عبارة لأم سمير تلك التي افتتحت الحديث عن مساوئ الدراسة في الخارج، ودموعي تترقرق دون توقف:

بعض الشباب يعود من الدراسة في الخارج ليرفع رأس أهله والبعض يعود وقد احترف الخداع والكذب!

** **







توقيع : SALMAN
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر


الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد

حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@
Digg this Post!Add Post to del.icio.usBookmark Post in TechnoratiTweet this Post!
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
 
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 46 : 05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir
ملتقى النخبة 2005