خـــــــــــدمات الأعضــــــــــــاء

العودة   ملتقى النخبة > النخبة 2011 > سواليف أدبــاء
.::||[ آخر المشاركات ]||::.
 

إضافة رد
 
 
LinkBack أدوات الموضوع
  المشاركة رقم: 1  
قديم 10 / 04 / 2022, 13 : 07 PM
الصورة الرمزية SALMAN
مؤسس الموقع
المنتدى : سواليف أدبــاء
تاريخ التسجيل العضوية الدولة المشاركات بمعدل المواضيع الردود معدل التقييم نقاط التقييم قوة التقييم
14 / 03 / 2005 1 المكتبة 7,607 1.09 يوميا 384 10 SALMAN is on a distinguished road
SALMAN غير متصل

لا ضَيْرَ في تقليدهم

إنّ التأصيل الحقيقيّ للقصّة القصيرة الإبداعيّة ومحاولة الوصول إلى مفهومها، يتكشّف لنا عند استعراضنا القصص الواردة في الكتب السماويّة، ويأتي في مقدّمتها القرآن الكريم الذي يحفل بعدد لا يستهان به من القصص، بل لا تكاد تخلو سورة من سوره من إحداها، كقوله تعالى في قصّة بقرة موسى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وكذلك في قصّة نوح مع ابنه، قال تعالى {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}.

وهناك بالطبع الكثير من القصص العظيمة التي يمكن من خلالها الوصول إلى المفهوم الحقيقيّ للقصّة، الذي بدوره سيطلعنا على سرِّ ما نراه من جمال في مجمل القصص العالميّة الذائعة الصيت، أو لنقل، في القصص الإبداعيّة التي استطاعت البقاء وخُلِّدت في أدب القصّة حتّى يومنا الراهن، وهي يقينًا لا تبتعد كثيرًا عن هذا النوع من القصص، الذي أتت به الكتب السماويّة - القرآن تحديدًا - أو أنّ هناك خيطًا رفيعًا يربط بينهما.

وبالعودة إلى القصص القرآنيّة في مجملها، نجد أنّها، ببساطة شديدة، ترتكز في أساسها وبنائها على أمرين غاية في الأهمّيّة، أوّلهما: ركونها إلى وصف المواقف والأحداث بشكل واضح لا لبس فيه، دون الاعتماد على الرمزيّة التي يتغنّى بها البعض، فلا تجد قصّة قرآنيّة إلّا وتذكر حدثًا معيّنًا بسيطًا يفهمه الجميع؛ وهو ما يقودنا إلى القول: إنّ المباشرة والوضوح والمنطقيّة والوصف الحقيقي للأحداث، شرطٌ أساسيٌّ لقبول القصّة، بغضِّ النظر إن كانت واقعيّة أم تخيّليّة أو كانت بين هذا وذاك. ولكن، هل المباشرة كافية للخروج بقصّة إبداعيّة؟! وكيف ينسجم هذا القول مع تقليلنا من شأن بعض القصص ووصفها بالسطحيّة، رغم أنّها تحقّق هذا الشرط، وقد تكون في منتهى الجمال إن كان السارد من أهل اللغة، أو كان شاعرًا مفوّهًا يمزج بين الواقع والخيال بشيء من الشاعريّة؟! ذلك ما يدعونا إلى الانتقال في حديثنا للوقوف على العنصر الآخر المهمّ، والذي في ظنّي لا تكتمل القصّة بدونه، وهو العمق أو الرسالة المضمّنة التي لا يخلو منها أيٌّ من القصص القرآني، ونجدها أيضًا في القصص العالميّة. إذًا، يمكننا القول: إنّ القصّة الإبداعيّة هي السرديّة المختزلة والمكثّفة التي غالبًا ما تصف حدثًا وحيدًا في مدّة زمنيّة قصيرة، وفي مكان محدّد، وتتسارع أحداثها انطلاقًا من بداية محفِّزة، وصولًا إلى نهاية مدهشة، باشتراط مزاوجتها بين الوصف المباشر الكامل الوضوح، والعمق الذي يبقيك على اتّصال بالحدث، ويدعوك للتفكُّر فيه طويلًا؛ فغياب أيٍّ منهما، أو طغيان أحدهما على حساب الآخر، يُخلُّ بمفهوم القصّة، وهو الأمر الذي قد يجعلنا نرفض أيّة سرديّة مرمّزة يصعب فهمها، أو تلك التي تحتمل الكثير من المعاني، ولا يوجد ما يشير إليها صراحة. كما وأنّنا نرفض أيضًا السرديّة الوصفيّة المبتذلة - مهما كان جمالها الظاهر - إن خلت من العمق المثري، ولم يكن فيها ما يدعو للتفكُّر وإشغال العقل.

هذان الشرطان - في ظنّي - هما أساس بناء القصّة قبل الخوض في باقي العناصر التي تأتي أهمّيّتها لاحقًا. فما الفائدة من جماليّة اللغة، وصورها البلاغيّة، وشاعريّتها، والمفردات المنتقاة بعناية، واستيفائها لكلّ شروط القصّة، إن كان النصُّ سطحيًّا لا عمق فيه، أو كان مرمّزًا يصعب فهمه والاتّفاق على مغازيه؟ ولتأصيل هذا المعنى دعونا نقف قليلًا مع أحد النماذج الرائعة، كقصّة نبيّ الله إبراهيم مع ربّه، عندما طلب منه أن يريَه كيف يُحيي الموتى، في قوله تعالى: ?وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? نجد هنا الوصف المباشر البسيط الذي تحدّثت عنه، فالقصّة مفهومة ظاهريًّا، ولا تحتاج إلى وسيط يُجلي معانيها إن نظرنا إليها من الناحية الأدبيّة بعيدًا عن أحكامها الشرعيّة، فنبيّ الله إبراهيم - عليه السلام - سأل ربّه أن يريَه كيف يحيي الموتى، فأجابه الله إلى طلبه مباشرة بأن أراه كيف يجمع بقدرته شتات الطيور بعد تمزيقها ونثرها على رؤوس الجبال. كانت القصّة لتبدو وصفيّة مباشرة تفتقر إلى المعاني المضمّخة، كمعظم القصص التي ابتُلينا بها في الوقت الراهن، لولا السؤال الذي خلق عمق هذه القصّة عندما سأله - سبحانه وتعالى - عن إيمانه، قبل الشروع في الإجابة: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}؟ وكذلك إجابة إبراهيم بأنّه إنّما أراد أن يطمئنَّ قلبه: {قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.

هذا الحوار الرائع، على بساطته واختزاله، خلقَ لنا العمق الكبير الذي لا يخلو منه القصص القرآني بالمطلق، إذ يُعَدّ ضرورة ملحّة لا تُقبل القصّة الإبداعيّة بدونه. وحتّى نؤمن بأهمّيّة العمق في أدب القصّة، دعونا نتخيّل قصّة إبراهيم بدون هذا الحوار؛ سنجدها لا تحمل أيَّ عمق مرتبط بشواهد وصفيّة تقود إليه. والمهمّ هنا أنّ هذا الحوار أوقفنا على الرسالة العظيمة التي أرادت القصّة إيصالها من الناحية السلوكيّة، بعيدًا عن مغازيها الدينيّة، والتي يمكننا اختصارها في أنّ علينا إغلاق مداخل الشيطان، والوصول إلى الاطمئنان القلبيّ، مهما كان تصدقينا للراوي، فقد يتزعزع موقفنا لاحقًا عند أقلّ عارض؛ وأنّ علينا أيضًا الاتّباع ونحن على هدًى وبصيرة، وبإرادة حرّة. كذلك تُبصِّرنا القصّة بسوء التبعيّة المطلقة في حياتنا، إذا استثنينا علاقة الإنسان بربّه.

نستنتج من ذلك أنّ هناك الكثير ممّا يمكن قوله عن عمق الحوار القصصيّ ومغازيه العظيمة، والأفكار التي تُستقى من خلاله، أكان من الناحية الشرعيّة أم السلوكيّة.

إنّ هذه المعاني العميقة التي أوجدها هذا الحوار الرائع، خلقت لنا قصّة إبداعيّة حقيقيّة يمكن الاستشهاد بها في عالم القصّة، والنظر إلى نتاجنا من خلالها، كما أنّه يمكننا التأريخ للقصّة الإبداعيّة اعتمادًا عليها وعلى مجمل القصص القرآني؛ والأهمّ من ذلك كلّه، أنّ علينا الإيمان بأنّ هذا المفهوم الذي أتى به القصص القرآني هو بالضبط ما كان ينتهجه الأدباء الروس العظام أمثال تولستوي وتشيخوف في قصصهم العظيمة، كقصّة «موت موظّف حكومي» لأنطوان تشيخوف؛ وهو بالضبط ما اعتمد عليه أدباؤنا الأفذاذ، كالكاتب العظيم يوسف إدريس عند كتابته قصّة «الشهادة»... فكلّ هؤلاء الأدباء العظام الذين خُلّد نتاجهم، لم يفعلوا شيئًا أكثر من تحقيق هذه المنهجيّة الكتابيّة البسيطة في قصصهم الإبداعيّة، ولاَ ضَيْرَ في تقليدهم فالقدوة المتبع هو ربُّ العالمين.

** **

لا ضَيْرَ في تقليدهم - حامد أحمد الشريف :
https://www.al-jazirah.com/2022/20220408/cm3.htm







توقيع : SALMAN
إذا خسرناك عضو فلا تجعلنا نخسرك زائر


الإرادة بركان لا تنبت على فوهته أعشاب التردد

حيــــــــــــــــــــــــــــــاكم الله في حسابي على تويتر :
SALMANR2012@
Digg this Post!Add Post to del.icio.usBookmark Post in TechnoratiTweet this Post!
رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
 
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 56 : 06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Optimization by vBSEO 3.5.2 TranZ By Almuhajir
ملتقى النخبة 2005